الأحد، 4 يوليو 2010

ماهية سفر نشيد الإنشاد المنسوب لسليمان


يقول الأديب الايرلندى الشهير جورج برنارد شو : " إنه ( يقصد الكتاب المقدس ) من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض احفظوه فى خزانة مغلقة بالمفتاح " .
فيا ترى هل هذا الأديب محقا فيما قال ؟ بداية ليس سفر نشيد الإنشاد هو الموطن الوحيد فى الكتاب المقدس الذى يحمل تلك الألفاظ الجنسية البذيئة والخادشة للحياء ، بل أستطيع أن أقول – ويوافقنى كل دارس للكتاب – أن يقول معى - والله ثم والله - دونى أدنى تجنى أو افتراء ،إن هذا الكتاب المدعو مقدسا هو كتاب متخصص فى الجنس – بكل ما تحمله الكلمة من معنى فهو كتابُ الحديث عن الزوانى والعاهرات وأهل الفاحشة .
والذى يعنينا هنا أن نبين على عجالة حقيقة هذا السفر نشيد الإنشاد - من حيث نسبته لقائله فمن قائله وما معتقدنا ومعتقدهم فيه .
يقولون كما فى مبدأ السفر وهى نسبة مزورة (1نَشِيدُ الأَنْشَادِ الَّذِي لِسُلَيْمَانَ:
) فمن سليمان هذا .
سليمان عليه السلام فى اعتقادنا – كمسلمين – هو نبى من عند الله تعالى أنعم الله عليه وعلى أبيه بالنبوة والملك والحكمة والعلم فيقول تعالى فى إثبات نبوته :
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }النساء163
ويذكر ما أنعم به عليه وعلى أبيه داود عليهما السلام :
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء79
ويقول :{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }النمل15
ويقول :{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }النمل16
ويقول مادحا لسليمان عليه السلام فى كمال عبوديته لربه وأوبته له :{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص30
إذا كانت هذه هى عقيدتنا فى سليمان عليه السلام فما هى عقيدة الكتاب المقدس فيه ؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الكتاب المقدس لا يعتبر سليمان نبيا رسولا بل يعتبره مجرد ملك من الملوك قد زاغ عن تعاليم الرب وترك عبادته وعبد الأوثان من دونه ؛ وسبب ذلك أن نساءه قد أملن قلبه وراء آلهة أخرى فأصبح سليمان كافرا مشركا وثنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ففى سفر الملوك الأول : (4وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. 5فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. 6وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. 7حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. 8 وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. 9فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. 11فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ.( الملوك الأول 11/ 4- 11) .
وقبل هذا يخالف سليمان كلام الرب من أجل شهوته كما فى الملوك الأول : (1وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ 2مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. 3وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ.) (11/1-3).
ثم نرى العهد الجديد يذكره فى نسب يسوع يقول متى : (6وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا.) ( متى 1/6) وأوريا هذا الذى عمل على قتله داود من أجل أخذ زوجته التى هى أم سليمان، راجع صموئيل الثانى الإصحاح الحادى عشر .
فهذا هو سليمان كاتب نشيد الإنشاد وغيره من الأسفار ، وهذه هى عقيدتنا فيه وتلك هى عقيدتم فيه ، ..... ولكن هنا السؤال الذى يبادر نفسه بالطرح قبل كل شىء وهو : إذا كان سليمان كافرا وزاغ عن طريق الرب فكيف يكون له سفر أو مجموعة أسفار فى حيز الكتاب المقدس ؟؟؟؟؟؟ نود من الأصدقاء النصارى الإجابة على هذا السؤال ؟!
كان هذا حال كاتب نشيد الإنشاد ، ولكن يا ترى لماذا كتب سليمان سفر نشيد الإنشاد بهذه اللهجة البذيئة وهذه اللكنة الغامضة فى المراد منها ؟؟؟
اختلف النصارى فى الإجابة عن هذا السؤال فبداية ذهب بعضهم إلى أن ظاهر هذا السفر مراد ولا إشكالية فى ذلك بتاتا عند المؤمن المسيحى فيقول أحدهم : " لكن هناك الكثير من المؤمنين المسيحين لا يرون أي إشكالية في أن يكون هذا السفر حرفي ، والذين يرونه مشكلة متأثرون إما بالفكر اليوناني أو بالفكر الإسلامي اللذان فرضا وجهة نظرهما من كون كل الجنس خطيئة وبشاعة وجسدانية ، لا أعتقد أن الله ينظر للجنس هذه النظر، بالعكس أنا متأكد أن الله يراه جيدا إذا استخدم في مكانه ، في علاقة أحادية أبدية " .
وعلى هذه الظاهرية فسليمان يتغزل فى بعض نسائه وقد اختلفوا فى أى زوجة من زوجاته السبعمائة وسراريه الثلاثمائة كان يتغزل سليمان ؟ وإن ذهب بعضهم إلى أنه كان يتغزل فى زوجته ابنة فرعون وذهب آخرون إلى أنها شولميث المذكورة فى هذا السفر (6/13)، وعلى أى حال لا أدرى ما دخل الكتاب المقدس الذى هو وحى الله برجل كافر فى معتقدكم يتغزل بإمرأته ؟؟؟؟؟؟؟؟

وذهب آخرون إلى أن التعبير الموجود فى هذا السفر ظاهره غير مراد ولكنه أسلوب رمزى غنوصى كمونى باطنى ، ولكن ما هى دلالة هذه الرمزية ؟؟ فقد اختلفت الكنيسة أيضا فى ذلك .
1-ذهب بعضهم إلى أن سليمان يتغزل فى الله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – فهذه الرمزية تدلل على اتحادنا بالله خلال الحب الروحى السرى ، فيستعير ألفاظنا البشرية فى دلائل الحب بين العروسين ، لا لتفهم علاقتنا به على مستوىالحب الجسدانى ، وإنما كرموز تحمل فى أعماقها أسرار حب لا ينطق به !! وما أبشع هذا القول ولا أريد التعليق عليه ؛ لأنه أدنى من ذلك ، فكيف يكون التخاطب مع الله بمثل هذا ؟؟.
2-وذهب آخرون إلى أن سليمان يتغزل فى الكنيسة ، وقد أدخل هذا التأويل إلى الفكر الكنسي كل من أوريجانوس وهيبوبوليتس والقديس أوغسطينوس !!! ولا أدرى هل فى زمن سليمان كانت توجد كنائس ؟؟ ثم ما دخل دوائر الفخذين والثديان والعينان والفم والسرة والقبلات بالكنيسة ؟؟؟
3- وذهب آخرون إلى أن العذراء القديسة مريم هى عروس النشيد و أخذ بهذا التفسير بعض الآباء مثل القديس أمبروسيوس ، وهنا السؤال الذى يطرح نفسه من الذى يرضى أن يخاطب أم الرب بمثل هذا الكلام من ذكرٍ للثدى والفخذ والفم والسرة والقبلات ....؟؟؟.
4 – وذهب آخرون إلى أن عروس النشيد هى النفس البشرية التى من أجلها سفك ابن الله دمه ، و من الذين أخذوا بهذا التفسير القديس أثناسيوس و فم الذهب و غريغوريوس أسقف نيصص و أيضا القديس أوغسطينوس و العلامة أوريجانوس ، وهنا نطرح نفس السؤال السابق من الذى يرضى لنفسه أن يُخاطب بمثل هذه السفاسف من القول ؟؟؟.
وفى النهاية نقول : ما الغاية من وحى الله لأنبيائه ؟ أليس تبليغ الناس ، وتبليغهم بما تعيه عقولهم وتدركه أفهامهم ؟؟ فما الداعى إذا إلى الرمزية فى الوحى وهذه القتامة فى التعبير والغموض فى التدليل ، فضلا عن البشاعة اللفظية فى التعبير الذى يخدش الحياء ويدغدغ المشاعر؟ ، ثم هل عجز الرب عن وجود تعبير نبيل يصل إلى الأفهام غير هذه الألفاظ الفاحشة ؟؟.
وهل حقا الأمر كما يقول البابا شنودة عن هذا السفر :" الروحيون يقرأون هذا السفر فيزدادون محبة لله أما الجسدانيون فيحتاجون فى قراءته إلى مرشد لئلا يسيئوا فهمه و يخرجون عن معناه السامى إلى معان عالمية ... هذا السفر هو سفر الحب نفهم منه أن الله منذ القديم كان يريد أن تكون العلاقة بيننا و بينه هى علاقة حب .. سفر التشيد يتحدث عن المحبة الكائنة بين الله و النفس البشرية أو بين الله و الكنيسة فى صورة الحب الكائن بين العريس و عروسه .. و لكى نفهم سفر النشيد لابد أن نفهمه بطريقة رمزية و ليس بتفسير حرفى إن التفسير الحرفى لسفر النشيد بمفهوم جسدانى هو تفسير منفر و لا يتفق مع روح الوحى و لا مع مدلول الألفاظ و هذا السفر لا يصلح إلا للمتعمقين فى الروح الذين لهم عمق فى التأمل و الذين لا يأخذون الألفاظ بفهم سطحى إنه ليس للمبتدئين بل للناضجين و قديما لم يكن أحد يقرأه إلا بإذن أو بإشراف أبيه الروحى " .
وأحب أن أقول للجميع إن النصارى أو غالبيتهم يجهلون وجود مثل هذا الكلام فى كتابهم المقدس ، ويكفى أن هذا السفر كان سببا فى إسلام الأخت جيسس ماى كينج والذى هز النت كله هزا ، وكان سببا لطرق مسامع النصارى للعلم بوجود مثل هذا الكلام فى كتابهم المقدس ، ومن ثم التشكيك فى مصداقية هذا الكتاب وكونه من عند الله ، ومن يطلع على منتديات النصارى يعلم هذا جيدا ، فقد كثرت الأسئلة عن هذا السفر فى منتديات النصارى وقذف الشك ووقع الريب فى قلوبهم فى مدى صحة كتابهم المدعو مقدسا فهل حقا يوجد هذا السفر فى كتابنا ؟ وإن كان ، فهل هو كلام الرب ؟ وإن كان فكيف ذلك ؟ وما معناه ؟ وما دلالته ؟ وما ؟ وما ؟ وما ؟
وبعد فإن وجود مثل هذا السفر فى الكتاب المنعوت بالقداسة ، ينسف نسفا تلك الهالة القدسية ، ويؤكد تحريفه ويثبت تزييفه ، فهل من مدكر ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق